خيارات الفلسطينيين في مواجهة الحرب- المقاومة، التوسع، والمبادرات السياسية.

المؤلف: فايد أبو شمالة11.04.2025
خيارات الفلسطينيين في مواجهة الحرب- المقاومة، التوسع، والمبادرات السياسية.

في ظل المؤشرات القوية التي تظهر أن استمرار العدوان على غزة يمثل الخيار الوحيد الذي يتشبث به نتنياهو وحلفاؤه في مجلس الحرب، يبرز السؤال الجوهري: ما هي المسارات المتاحة أمام الفلسطينيين لمواجهة هذا التحدي؟ وكيف يمكن تحقيق نتائج ملموسة بعد التضحيات الجسام والمعاناة التي لا توصف التي تحملها الشعب الفلسطيني، خاصة في غزة، على مدار ما يقارب سبعة أشهر من الحرب الإسرائيلية المدمرة؟

أولًا: استمرار المقاومة

من المسلمات أن المقاومة تمثل السلاح الأقوى في مواجهة أي اعتداء، مهما بلغت شراسته ووحشيته. فالمقاومة هي الضمانة لعدم استقرار الاحتلال، وهي التي تخلق لديه حالة دائمة من القلق وعدم اليقين، وتدخله في دوامة من الاستنزاف لا يقوى عليها، بينما تمتلك المقاومة القدرة على الصمود والثبات، وذلك بفضل إيمان الشعب بها ودورها المحوري.

وكلما ازدادت التضحيات التي يقدمها الشعب، وتعاظمت الأثمان التي يدفعها، كلما ازداد تمسكه بحقوقه المشروعة، ورفض التنازل عنها بأبخس الأثمان. بل إن كلفة العدوان سترتفع على المعتدي كلما أوغل في غيه وتجاوز حدوده.

بهذه الرؤية، يصبح استمرار الحرب الإسرائيلية هو الخيار الأفشل على الإطلاق؛ لأنه يدخل الاحتلال عنوة في نفق مظلم لا نهاية له، ويستنزف قدراته وطاقاته، ويضطره للتكيف مع واقع جديد لا يملك وحده القدرة على تحديده، بل يكون للمقاومة الفلسطينية، وبدعم من الجبهات المساندة لها، الكلمة الفصل.

وحتى إذا ما فكر نتنياهو في تغيير مسار الحرب، أو المناورة للهروب من الضغوط المتزايدة عليه على الصعيدين الداخلي والخارجي، فإن هذا التغيير لن يكون ممكنًا دون أخذ الموقف الفلسطيني بعين الاعتبار، وعلى وجه الخصوص موقف المقاومة الفلسطينية.

من الجوانب الإيجابية التي تعزز هذا التوجه، القدرات المذهلة التي أظهرتها المقاومة في غزة خلال الأشهر الماضية، والتي تدل على استعداد عالٍ على مستوى الكوادر البشرية المدربة والقادرة على المضي قدمًا حتى النهاية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الإمكانات المطلوبة لمقاومة فعالة ليست كبيرة، ويمكن توفيرها محليًا، كما هو الحال في تصنيع أسلحة مثل "الياسين" و"آر بي جي"، والعبوات المتفجرة، وسلاح القنص "الغول"، وهي كلها صناعات محلية أثبتت فعاليتها في إلحاق الخسائر الفادحة بجيش الاحتلال المتخم بالأسلحة باهظة الثمن. وهذا يجعل تكاليف هذه المرحلة أكبر بكثير من المراحل السابقة.

ثانيًا: توسيع نطاق المواجهة أفقيًا وعموديًا

تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، خلال زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة، بأنه "يقاتل على سبع جبهات"، يثير الكثير من التساؤلات. فبالنظر إلى الواقع، نجد أن هناك جبهة غزة، وجبهة الشمال مع حزب الله والمقاومة الفلسطينية في جنوب لبنان، وجبهة اليمن التي يمثلها الحوثيون، وجبهة العراق التي وإن كانت أقل حدة من ذي قبل، فربما تكون قد هدأت تمامًا. فأين تقع بقية الجبهات؟

لاحقًا، اتضح أن ما قصده غالانت يتعلق بالجبهات المرشحة للانفجار، أو التي يستعد الاحتلال لمواجهة انفجارها، باعتبارها أصبحت على أهبة الاستعداد للدخول في مرحلة جديدة من التفاعل والانسجام مع استمرار الحرب. وعلى رأس هذه الجبهات، الضفة الغربية التي تشهد تطورات متسارعة ومتصاعدة، تتجسد في سلسلة من العمليات الفردية والاشتباكات المستمرة في جنين ونابلس، ومناطق أخرى متفرقة في الضفة، وذلك ردًا على التحركات العدوانية المتزايدة للمستوطنين الذين قام بن غفير بتسليحهم وتحريضهم على تصعيد نشاطهم الاستيطاني على حساب نحو ثلاثة ملايين فلسطيني يعيشون في الضفة.

وهناك أيضًا الجبهة السورية التي لم تتوقف الهجمات الإسرائيلية عليها، واستهداف بعض المجموعات والمواقع فيها، وكان الهجوم على القنصلية الإيرانية آخر هذه الاعتداءات، مما يشير إلى استعداد سوريا للانضمام إلى شقيقتها اللبنانية، وهو ما تبرره العديد من الدوافع التي يمكن تناولها بالتفصيل في موضع آخر.

ومن الجبهات المرشحة الأخرى، الجبهة الأردنية التي تعتبر الأخطر على الإطلاق من الناحية السياسية. فقد شهدنا مؤخرًا تصاعدًا كبيرًا في هذه المنطقة، وباتت على وشك التحرك نحو الحدود، وهي خطوة قد تتطور بوتيرة أسرع مما يتوقعه البعض، وذلك بسبب العلاقة الوثيقة والجوهرية بين الضفتين الشرقية والغربية لنهر الأردن، اللتين كانتا تاريخيًا وحدة واحدة، لولا الاحتلال الذي فصل بينهما.

أما الجبهة السابعة المقصودة، أو التي نرجح أن غالانت كان يشير إليها، فهي إيران، التي اشتعلت بالفعل وتطورت بشكل خطير خلال الأيام الأخيرة. ورغم أن لا أحد يرغب في استمرار هذا الاشتعال، وخاصة الإدارة الأميركية، لأن ذلك سيكون بمثابة الضربة القاضية لإستراتيجية بايدن والدولة العميقة في الولايات المتحدة تجاه منطقة الشرق الأوسط، وسيمثل نهاية لمرحلة من الهيمنة الأميركية على ثروات المنطقة، حيث ستفتح إيران الأبواب لروسيا والصين، اللتين تعتبران العدوين اللدودين للولايات المتحدة.

هذا الاحتمال الذي كان يُنظر إليه على أنه مستبعد، لم يعد كذلك بعد الهجوم على القنصلية الإيرانية، والرد الإيراني الذي أثار القلق. هذه التطورات كانت متوقعة لدى غالانت، وحذر منها نتنياهو، وما زال الاحتلال يهدد بتوجيه ضربات جديدة لإيران ردًا على هجمات الطائرات المسيرة والصواريخ، بينما ستكون الردود الإيرانية أكثر قوة وفاعلية، وغالبًا ما سيضطر الطرفان لاستخدام القوة الرادعة في أي مرحلة لاحقة.

بالنسبة لإدارة بايدن، فإن أسوأ الكوابيس التي تلاحقها مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في نهاية العام، هو توسع دائرة الحرب لتشمل المحيط العربي وإيران. مثل هذا الوضع سيعني خسارة محققة وحتمية للديمقراطيين الذين يئنون تحت وطأة حرب غزة وحدها، فكيف إذا ما توسعت وتنوعت الجبهات، ووجدت الصين وروسيا موطئ قدم جديدًا في الشرق الأوسط، على حساب الولايات المتحدة وحلفائها الذين لم يعودوا قادرين على تحمل غضب شعوبهم، بسبب الفظائع والمجازر التي ارتكبها الاحتلال، وبسبب الدعم الغربي والأميركي غير المبرر لحرب الإبادة في غزة.

ثالثًا: المبادرات السياسية

قد يبدو هذا الخيار نظريًا إلى حد كبير، ولذلك تم تأخيره عن سابقيه، لأن المشهد الحالي لا يوحي بوجود أي فرصة لنجاح مثل هذا الخيار، نظرًا للتركيبة السياسية لحكومة الاحتلال التي لن تستطيع التعامل مع أي مقترح سياسي، أو حل سياسي، يحقق الحد الأدنى من التطلعات الفلسطينية. فهي حكومة ترفض "أوسلو" وتداعياتها كافة، وترفض إعطاء صلاحيات للسلطة الفلسطينية برئاسة عباس، والسماح لها بالتمدد نحو غزة، رغم ما حدث من إدخال مجموعة أمنية تابعة لرام الله بذريعة تأمين المساعدات. فالاحتلال يقبل أي مساعدة أمنية من جانب أي طرف، لكنه لا يقبل تقديم أي ثمن سياسي في المقابل، وقد بات معروفًا أن الخلاف الجوهري بين بايدن ونتنياهو، هو على المآل السياسي، وكيف ستكون الصورة في اليوم التالي لتوقف العدوان.

 

ربما تكون هذه هي المساحة الضيقة التي يمكن العمل فيها ومحاولة استغلالها من قبل القوى السياسية الفلسطينية، كل حسب طريقته، ولكن ضمن رؤية مشتركة وتفاهمات محددة حتى لا يتحول هذا الأمر إلى مساحة للخلافات الداخلية الفلسطينية، وبالتالي ينعكس سلبًا على مسار المعركة والفعل السياسي المصاحب لها. ومن حيث المبدأ يفترض أن يكون الفعل السياسي خلال أي حرب أو معركة مساندًا للعمل العسكري، وليس متعارضًا معه أو محبطًا له.

 

وقد كانت هذه الإشكالية على الدوام مصدر الضعف الفلسطيني؛ لأن العمل المقاوم يخضع دومًا للتجريم من قبل الاحتلال والقوى الدولية، ويتم وصمه بالإرهاب، ويخضع الكل الفلسطيني للتهديد؛ بسبب الدفاع عن المقاومة أو مساندتها بأي حال من الأحوال، بل يتم مطالبة السلطة الفلسطينية بالتعاون أمنيًا، وإحباط أي عمل مقاوم، بينما ترعى الحكومة الصهيونية بشكل رسمي نشاطات المتطرفين من المستوطنين، ويتم تسليحهم وتحريضهم للاعتداء على الشعب الفلسطيني، وإجباره على الهجرة، مما يتيح لهم مصادرة مزيد من الأراضي، وتوسيع المستوطنات.

 

لقد آن الأوان أن يجتمع الكل الفلسطيني؛ لصياغة مشروع وطني فلسطيني، يتناسب مع "طوفان الأقصى"، ويتم من خلاله وضع بعض المقترحات السياسية على طاولة المجتمع الدولي، مما يمكّنه أن يفيد في المرحلة القادمة، بتحويل كل ما مرّ به الشعب الفلسطيني خلال العدوان، وبسبب حرب الإبادة الصهيونية، إلى إنجاز سياسي كبير، يضع الأسس لمستقبل فلسطيني مشرق وفجر جديد.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة